03‏/06‏/2009

لا ترشيحات في صفوف المعوّقين... فما سرّ العزوف؟

صحيفة البلد - الياس قطار -

غياب الحركة لا يخفي أصواتهم. العاهة التي تشوب أبدانهم لا تقف سدً ا منيعً ا في وجه ممارسة حقوقهم الطبيعية، والأهمّ أنّ الأمل موجودٌ دائمًا مع أشخاص أفلحوا في توظيف تلك النقمة الجسدية في مسيرة نضال مجتمعية ربما لن تعرف خواتيمها في مجتمع ما زال ينظر الى الدمج بسخفٍ واهمال.
لمَ لمْ يترشح أشخاصٌ معوّقون الــى الانتخابات النيابية المقبلة؟
والـــى أيّ حــدّ تــراعــي التجهيزات اللوجستية أوضاعهم في حال قرروا الأداﺀ بأصواتهم في حزيران المقبل لترجيح كفة مرشح على آخر؟ أسئلة تُطرَح. لا بل أسئلة تحز في نفوس كثيرين من انسانيي الزمن الحاضر.
طموحهم لم يتبدّل. ولعلّ دورة انتخابية ستمرّ كسواها من الدورات ليست كفيلة بجعلهم يسقطون المبدأ الذي جاهدوا طويلاً للحصول عــلــيــه والــمــتــجــسّــد فــي "الــدمــج" المجتمعي الذي بات بمثابة هدف مــقــدّس ســـام تــكــرّســه حقوقيّة مواطنية لا تميّز في الأشكال والألوان.
ليس عالم الترشح الى الانتخابات النيابية جديدً ا على عالم الأشخاص المعوّقين. فالدكتور نــواف كبّارة أثبت العكس يوم كان أول المقعدين الذين يترشحون الى مقعد برلماني لــم يحصل عليه فــي طرابلس في الـــدورة الماضية في العام 2005.
هذا وترددت معلومات عن إمكانية ترشيح رئيس حركة "سوليد" غازي عاد إلاّ أن الأمر لم يتمّ.
في حال الغوص في التفاصيل الــكــامــنــة وراﺀ عـــدم تـــرشّـــح أحــد الأشخاص المعوّقين الى الانتخابات الــمــقــبــلــة، تــعــزو رئــيــســة اتــحــاد ا لمقعد ين ا للبنا نيين سيلفا نا اللقيس السبب الــى أنّ "لا شيﺀ جاهزا لاستقبال المعوقين ثمّ ليس هناك تكافؤ فرص. فما نفعله اليوم سيسهّل كثيرً ا أمر ترشّح الأشخاص المعوّقين فــي الحملات المقبلة.
فعندما نبدأ بالمشاركة بفاعلية في الاقتراع بعد تسهيل أمورنا لا شيﺀ يمنعنا أن نترشح. ولعلّ كلّ ما نقوم بــه الــيــوم انما يــنــدرج تحت شعار "الدمج" الذي يهدف الى أن يصبح هناك مرشحون من ذوي الاحتياجات الخاصّة كما هناك ناخبون. حاليا مجلس النواب غير مجهّز لاستقبال المعوّقين، واذا كان هذا المجلس بالذات غير صالح لاستقبالنا فكيف بالمراكز الأخرى "؟

انطلاقً ا من حقهم في الاقتراع لا بـــل مـــن ســعــي الــكــثــيــريــن من الــمــرشــحــيــن الـــى اجــتــذابــهــم في محاولة لترجيح كفة ميزانهم نظرً ا الى ما لأصواتهم من أهمية وثقل شعبيين، يولد حقهم في الترشح تمامً ا كسواهم من المرشحين. الاّ أنّ ذاك الترشح لا يمكن وضعه في خانة الكوتا التي من شأنها عرقلة مساعي الدمج المطلق. فلمَ الكوتا لفئة لا تختلف عن سواها بشيﺀ؟
ولــمَ حــدّ مشاركتهم بــعــددٍ قــد لا يمثل طموحاتهم البعيدة؟ ثمّ من قال انّ الاعاقة تحدها الأبــدان؟ لا بل من قال انّ الاعاقة تقتصر فقط على عجز حركي كتبه القدر أو فرضه حــادثٌ فجائي؟ "قــد لا نكون على خريطة حساباتهم السياسية" بهذه الكلمات تردّ اللقيس على محاولة اسقاط حق الأشخاص المعوّقين في الترشح. فالفريقان على حدّ قولها ملامان والمسؤولية نفسها تقع على عاتق فريقي 8 و14 آذار.
لا شكّ أنّ اللقيس تمثّل عينة بسيطة من مجموعة أشخاصٍ منهم مــن شعر أنّ لا أحــد يستأهل أنّ يحملوا أنفسهم من أجله ويتحاملوا على اعاقاتهم وســوﺀ التجهيزات اللوجيستية ليضعوا اســمــه في الصناديق، هذا ان لم تكن النتيجة محسومة. ومنهم من رفض المكوث متفرجً ا وأبى الاستسلام لاعاقة غير كفيلة باعاقة ممارسة الحق الطبيعي الذي تفرضه "قدسيّة" المواطنية فــي مفهومها العميق وأبعادها وماهياتها. وهنا تقول اللقيس: "أنا شخصيا لن أنتخب شخصً ا لا يعبّر برنامج عمله عن قضايا الأشخاص المعوقين من خلال دعمه لتطبيق القانون 2000/220 الــذي يحيط بمسألة الــدمــج فــي مـــواده المئة واثنتين، أو لا يؤمن أن لبنان للجميع.
كما لن أقترع لصالح مرشح لا يأخذ الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص المعوّقين في الاعتبار وسنطالب بمقاطعته. وفي المقابل سنقترع طبعً ا لكلّ مرشح نتلمّس في برنامجه الانتخابي نقاطً ا ايجابية وسعيًا الى تحقيق مجتمع دامج".
كــثــرٌ قــد يــتــســاﺀلــون عــن مــدى اندفاع هذه الفئة من اللبنانيين الى المشاركة في الانتخابات المقبلة كلّ حسب الدائرة التي ينتمي اليها، ولعل الجواب يأتي حازمً ا على لسان اللقيس: "مستعدون للمشاركة بــزخــم، ونعمل جاهدين مــع وزارة الداخلية والبلديات من أجل تأمين التسهيلات اللوجستية اللازمة قدر المستطاع".
والمعلوم أنّ وزارة الداخلية لا تألو جهدً ا رغم ضيق الوقت وكثرة الملفات من أجــل تسهيل اقتراع المعوقين بحيث تــتــلاﺀ م المراكز الاقتراعية مع اعاقاتهم المختلفة.
فالمرسوم 2000/220 بقي راقــدً ا في الأدراج أكثر من 9 سنواتٍ من دون أن يعيره أحدهم أيّ أهمية، الــى أن أتــى الــوزيــر بـــارود مدفوعً ا بزخم المجتمع المدني الذي عايش أتراحه قبل أن يصبح وزيــرً ا. ولعلّ آخر هذه التسهيلات تجسّدت في تعميم الـــوزارة (رقــم /3 ام)2009/ على كــلّ المحافظات تطلب فيه تعيين أشــخــاص ينسقون اداريــا مع اتحاد المقعدين ويتآزرون في عملية التحضير للمراكز الاقتراعية كــلّ حسب منطقته على أن يصار أيضً ا الى تكليف عناصر الشرطة والحراس البلديين وموظفي البلديات لتأمين وصــول ذوي الاحتياجات الخاصّة الى المراكز الاقتراعية، وكلّ ذلك استجابة للمادة 98 من القسم العاشر من قانون حقوق المعوقين والتي تنصّ جهارً ا على تسهيل عملية اقتراعهم.
رغــم كــثــرة الــمــراكــز الاقتراعية وصعوبة شملها كلها بالتجهيزات اللازمة بالأشخاص المعوّقين خلال ما تبقى من وقت قصير قبل الموعد المنتظر، يجري اتحاد المقعدين اللبنانيين مسحً ا شاملاً بــات على وشك الانتهاﺀ يتمّ التركيز من خلاله على مــراكــز الاقــتــراع الأكــبــر والتي تشهد كثافة في الاقبال. وتمّ وضع معايير ستة ليكون المبنى دامجً ا، وتشمل هذه المواصفات الموقف المخصّص للسيارات التي تنقل شخصً ا يعاني اعاقة معينة ويرغب في الاقتراع، المدخل الذي يجب أن يكون خاليً ا من العوائق كمدّ منحدر صغير في حال وجود درج، ومراعاة مقاييس المدخل بحيث لا تصطدم الكرسي النقال بجانبيه، ناهيك عن مراعاة شروط قلم الاقتراع والستار وارتفاع الطاولة والصندوق وكل ما يتعلق بالمقاسات، توفر مصعد بمقاييس مناسبة في حــال وجود أقــلام اقــتــراع فــي الطوابق العليا، اضــافــة الــى توفير مــرافــق صحية مجهزة لذوي الاحتياجات الخاصّة.
وفي نتائج المسح الميداني الذي أجرته الحملة على المراكز التي تمّ اعتمادها في العام، 2005 ظهر أنّ مركزين فقط من أصل 70 مركزً ا في بيروت الاداريــة (5 مبان عامة و65 مدرسة) يعتبران دامجَين.
كثرٌ من ذوي الاحتياجات الخاصّة يتمنون أن تكون التسهيلات على تشير الاحصاﺀات المدنية غير الرسمية الى أنّ ذوي الاحتياجات الخاصة يشكلون ما نسبته 10 في المئة من اجمالي عدد سكان لبنان. ويحصي اتحاد المقعدين اللبنانيين وحده 1200 صوت في الانتخابات المقبلة كأعضاﺀ مسجلين فيه وليس كمعوقين يمثلهم او يتوجه اليهم.
قدر طموحاتهم، بيد أنّ الصعوبات اللوجستية وضــيــق وقــت الاصــلاح تحول دون ذلك، فيبقى الحلم منقوصً ا بالنسبة الى هؤلاﺀ ومقارنة بالأحلام التي احتضنتها حملة "حقي" والتي تــأتــي الــخــطــوات الاصــلاحــيــة اليوم لتستكمل ما كرّسته تلك الحملة من حقوق "يهبّشونها" بأيديهم وبسلطة فكرهم وصخب آمالهم.
اليوم وبعد مرور نحو 4 سنواتٍ على انطلاقتها تعود حملة "حقي" بزخم لتتوّج جزﺀً ا ممّا وضعته في أولوية اصلاحاتها، في سعي الى تحقيق أكبر قدر من مشاركة ذوي الاحتياجات الخاصّة في الشأن العام بعيدً ا عن شبح التهميش الذي بقي يطاردهم خلال فتراتٍ طويلة.
يبقى الأمل سيّد النضال الطويل.
أملٌ دفع بهم الى التعالي على عاهةٍ جسديّة صارعتهم من دون أن تصرع ايمانهم بالحياة. وتبقى كلمة في قلب اللقيس وعلى لسانها. فالى النواب تــقــول: "الشعب تعب وحـــاول كلّ الأنماط ولن ينتخب نوابً ا لا ينشرون ثقافة المواطنة"، والى زملائها تقول: "نعم نستطيع... وستكون قريبً ا".
http://www.albaladonline.com/html/story.php?sid=59996

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق