03‏/06‏/2009

«حقي» تعلن نتائج المسح الشامل لمراكز الاقتراع وفق معايير الدمج: صفر من مئة للبنان في امتحان الحقوق السياسية للأشخاص المعوقين

صحيفة السفير - جهاد بزي - 23 أيار 2009
في امتحان الحقوق السياسية للأشخاص ذوي الحاجات الخاصة، نال لبنان أمس صفراً من مئة. هذا ليس قولاً رناناً فارغاً. هو نتيجة علمية خرجت بها حملة «حقي» (الحملة الوطنية لإقرار الحقوق السياسية للأشخاص المعوقين في لبنان)، بعدما أجرت مسحاً لمراكز الاقتراع في المحافظات الست في لبنان بلغ عددها 1741، أظهر المسح أن ستة مراكز فقط في كل لبنان، تستوفي الحد الادنى من المعايير الهندسية الدنيا التي تسمح للشخص المعوق بالاعتماد على نفسه، ونفسه فقط، في ممارسة حقه في الانتخاب. هذه المعايير الستة بسيطة: 1- موقف للسيارة، يفترض أن يكون في اقرب نقطة ممكنة لمدخل المركز. 2- المدخل نفسه، واتساعه بما يكفي لمرور الشخص الذي يستخدم كرسياً مدولباً في تنقله. 3- المنحدر ويفترض ان يكون جنباً إلى جنب مع السلالم. 4- المصعد. 5- غرفة القلم (باب الغرفة ومواصفاتها الهندسية من طول وعرض تؤمن حركة الشخص). 6- الوحدة الصحية، أي غرفة الحمام الخاصة بالشخص المعوق. هذه هي المعايير. عدم اجتماعها كلها إلا في ستة مبانٍ ليس مفاجئاً، غير أنه صادم في نتيجته التي تتجاوز الاقتراع إلى مفهوم دمج الاشخاص المعوقين بكيان همشهم منذ قيامه، وما يزال، مع أنهم متسلحون بالقانون 220 الصادر في العام 2000 والذي يضمن اندماجهم الكلي في بيئة هندسية صديقة، وما زال ينتظر، منذ تسع سنوات، مرسوماً لتطبيقه. ثمة استنتاج شديد القسوة لكل ما سلف، ويمكن القياس عليه لفهم مدى الأبعاد الذي يتعرض له الاشخاص المعوقون في لبنان: النسبة الكبرى من مراكز الاقتراع هي مدارس رسمية وخاصة. هذا يعني أنه نادراً ما شارك تلميذ لبناني الصف والحياة المدرسية مع تلميذ معوق. نادراً ما اختبرا الحياة سوياً، ونادراً ما تشارك الاثنان فهماً متبادلاً لخصوصية كل منهما. نادراً ما التقيا أصلاً. يمكن لقارئ هذا الكلام من غير الأشخاص المعوقين أن يحاول التذكر: كم شخصاً معوقاً يشاركه المدرسة والجامعة والعمل؟ يمكنه أيضاً، إذا قرر الاقتراع في السابع من حزيران المقبل، لدى وصوله إلى مركز الاقتراع أن يمارس تمريناً ذهنياً ليس سهلاً: يتخيل نفسه على كرسي مدولب، ويريد الوصول وحده إلى حيث يريد اسقاط اسماء من يحبهم حباً جماً في الصندوق. مثل هذا التمرين سيكون درساً مفيداً في فهم للديموقراطية أكثر عمقاً من الحق بالاقتراع. الصفر على الرغم من «الصفر» الذي رمته «حقي» في وجه لبنان، فإن الحملة كانت متفائلة في مؤتمرها الصحافي الذي عقدته في نقابة الصحافة، أمس. الإنجاز التي تحقق بصدور مرسوم تطبيق المادة 92 من قانون الانتخاب بارقة أمل للمستقبل يعول عليها الناشطون في الحملة والمجتمع المدني معاً. سيلفانا اللقيس، المديرة العامة للبرامج في اتحاد المقعدين بدأت كلمتها بتحية للمديرالعام لوزارة الداخلية العميد نقولا الهبر، الذي «لا كلمة تصفه وهو الذي مذ تعرفنا عليه جعلنا نحبّ العمل النضالي اليومي نحو تحقيق العدالة الاجتماعية. وسنظل نلحقه كحركة مطلبية إلى أي مؤسسة عامة، لأنه معك يمكننا أن نجعل من البلد بلداً أحلى». لوزير الداخلية والبلديات زياد بارود الحصة نفسها، هو الآتي الى وزارته من «نسيجنا الاجتماعي» لتحقق الداخلية في عهده كل هذه الانجازات في هذه الفترة القصيرة». بارود لم يكن متعاوناً فحسب مع الحملة في الفترة الماضية في الوصول إلى المادة 92 من قانون الانتخاب، ثم المرسوم التطبيقي النموذجي ، بل أنه كان أقرب إلى ناشط مدني فعال في الحملة. قالت اللقيس إن اللقاء هو لاعلان نتيجة المسح، وللإحتفال بمجموعة التعاميم التي صدرت في الآونة الاخيرة بالإضافة إلى المرسوم التطبيقي. شكرت اللقيس وزارتي التربية والثقافة ومؤسسات ومنظمات من المجتمع المدني والبلديات التي بدأت بتنفيذ التعاميم والمرسوم. وبغض النظر عن نسبة التطبيق في هذه الانتخابات تمنت ان تنطلق ورشة العمل المشتركة بين مؤسسات الدولة والمجتمع الدولي من اجل الانتخابات المقبلة. انتقلت اللقيس إلى فكرة صغيرة تقع في صلب الرسالة الدائمة: في لقائها الاول مع مسؤول سياسي لتخبره عن حق الاشخاص المعوقين بالمشاركة السياسية كان رده: أنتم؟! عليكم المطالبة بالدواء والطبابة. ما دخلكم بالسياسة؟ مثل هذا الكلام نقلته اللقيس إلى أحد الإعلاميين فكان تضامنه عبر عبارة كهذه: «انتم لستم معاقين. هم المعاقون». كلام من طرفي نقيض يظهر جهل الاثنين بقضايا المعوقين التي واحدة منها عدم استخدام كلمة «معوق» في معرض «الشتيمة»، ولا «الاعرج» في وصف قانون، ولا «الاطرش» في وصف حوار. هذه من بديهيات الجهل بالاعاقات الاربعة الاسياسية: الحركية والسمعية والبصرية والذهنية. نقيب الصحافة محمد البعلبكي تحمس لكلام اللقيس فداخل بعدها غامزاً من قنوات السياسيين أن «ما هو أخطر من الاعاقة الجسدية هو الإعاقة العقلية». لاحقاً خلال المؤتمر ستداخل فاديا فرح من «الجمعية اللبنانية للمناصرة الذاتية» لتشرح أنه لا يوجد اعاقة عقلية بل ذهنية وهي تعني أن هناك اناساً يفكرون بطريقة مختلفة. والاعاقة الذهنية ليس خطيرة. بعد اللقيس، عرض المهندس المشرف على المشروع أحمد عزالدين لعمل المشروع والنتائج التي أتت كالتالي: 159 مركزاً نالت صفر علامة فلم تتوفر فيها أي مواصفة مجهزة، 556 مركزاً نالت علامة واحدة، 780 مركزاً نالت علامتين، 212 مركزاً نالت ثلاث علامات، 21 مركزاً نالت أربع علامات، سبعة مراكز نالت خمس علامات، وستة مراكز في لبنان نالت العلامات كاملة، أي توافرات فيها كافة التجهيزات الستة محل المسح. وتطرق عز الدين بالتفصيل إلى استمارة المسح وظروفه، بالإضافة إلى نتائج المحافظات. واعتبر مروان البسط باسم حملة «حقي»، أن نتائج المسح الميداني الشامل لمراكز وأقلام الاقتراع في لبنان «تضعنا أمام واقع لا بد من تغييره وبالسرعة اللازمة لما يسمح بعدم تهميش فئة من اللبنانيين تتعدى نسبتها عتبة 10 بالمئة من مجمل المواطنين». وتابع: هي حقيقة أظهرها مسح ميداني علمي يجسد بشكل ملموس واقع الأشخاص المعوقين، فمراكز الاقتراع هي في الواقع أبنية عامة، أو ذات استعمال عام، وهي بمعظمها مدارس، ما يفتح الباب واسعاً أمام مطالب أخرى تبدو أكثر إلحاحاً كالدمج التربوي والوظيفي لهذه الفئة، مطالب نتجت عن التجاهل بعيد المدى لحقوق الأشخاص المعوقين في لبنان، آذاهم وآذى من حولهم من الأهل والأقارب وحملهم ضرائب إضافية غير محتسبة. اضاف البسط: تستمر الحملة في مواكبة اقتراع الأشخاص المعوقين ورصد الانتهاكات الحاصلة بحقهم يوم الانتخاب وستأتي الانتخابات القادمة بحكومة جديدة يهمنا أن تبادر فوراً إلى إصلاح الخلل التاريخي في تهميش فئة غير قليلة العدد من المواطنين اللبنانيين. وعدد البسط مطالب الحملة في المرحلة التالية وهي: أن تبادر الحكومة إلى إقرار الموازنة العامة للبلاد، راصدة المبالغ المطلوبة لإنفاذ المرسوم المتعلق بتسهيل عملية اقتراع الأشخاص المعوقين، ممهدة لبيئة هندسية دامجة للعام 2010، كذلك أن تضع الحكومة الجديدة في صلب بيانها الوزاري وضمن أولوياتها مطالب الفئات المهمشة، وعلى رأسها مطالب حركة الإعاقة في لبنان. وأن تتلقف الوزارات المعنية نتائج المسح الميداني المفصل، والذي يرصد للمعايير الدامجة الدنيا، وتعكف على دراسته، وتوزيع المهام فيما بينها للعمل على إدراج المعايير الهندسية الدامجة في الأماكن محل المسح. وأن تبادر الحكومة لجعل البيئة الهندسية صديقة للأشخاص المعوقين سواء في كافة الأماكن العامة التي رصدها المسح، أو التي لم يرصدها، وذلك بعد صرف الاعتمادات اللازمة للبلديات من الخزينة العامة، لكي تتمكن من القيام بالتجهيزات اللازمة. وسأل البسط في ختام كلمته: هل سيبادر المجلس النيابي المنتظر، والحكومة التي ستليه، إلى حمل قضايا الناس وحاجاتهم، وإخراجها في قوانين قابلة للتطبيق الفوري؟» السؤال اثار حماسة النقيب البعلبكي مجدداً فقال: أي مجلس نواب وحكومة مقبلان لا يتبنيان مطالب المقعدين، يكونا مجلس نواب معوقاً وحكومة معوقة». بالطبع، أصيب معظم الحاضرين بالدهشة العميقة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق