01‏/06‏/2009

هکذا اقترع الزميل داني أبو غيدا عام 2007

يعرف داني أبو غيدا، 25 عاماً، أن من حقه "كباقي المواطنين اللبنانيين المشاركة في الحياة السياسية ترشحاً واقتراعاً". داني لديه إعاقة حركية منذ الولادة ناتجة من فتحة في سلسلة الظهر، سبينا بفيدا، أقعدته على كرسيه المتحرك. صباحًا عندما انطلق إلى قلم الاقتراع الكائن في دائرة بيروت الثانية، "ثانوية زهية سلمان"، قرب مدينة بيروت الرياضية، احتاج إلى من يوصله كالعادة. "يوجد في دائرة بيروت الثانية وفق الإحصاءات 1336 شخصاً معوقاً، من حقهم جميعاً أن يقترعوا من خلال استعمال البطاقة الانتخابية الصادرة عن وزارة الداخلية، لكنني أعتقد أن كثيرين منهم لن يقترعوا اليوم"، يقول داني. يساعده شاب محضرًا الكرسي المتحرك من صندوق السيارة قرب مدخل المدرسة التي تحولت إلى مركز اقتراع، في أحد بيروت المشهود، الذي يفترض به أن ينتهي حاسماً جدلاً سياسياً طويلاً حول من سيصل إلى الندوة البرلمانية، عوضاً من النائب وليد عيدو الذي ترك مقعده شهيدًا مع نجله.
عند وصوله إلى باب المدرسة المكتظ برجال الأمن والدرك والاستقصاء، وعلى مقربة منهم تمر دورية مؤللة للجيش حفظاً للأمن. يمنع الدركي داني من الدخول بمساعدة أحد الشبان، قائلاً: "ممنوع الدخول لغير حاملي التصاريح"، يحاول داني أن يتحدث إلى الدركي الذي أعرض عنه ممازحاً زميله، "لكن القانون يجيز أن يساعد الشخص المعوق شخص آخر يختاره ليوصله إلى قلم الاقتراع".. لا جواب.
يأتي ضابط شاب ليضيف: "يوجد منكم أربعة في الداخل عندما يخرجون ابقى ذكرني"، يتساءل داني: "منكم! شو يعني منكم؟". ببساطة يصنف ضابط الأمن داني بأنه من جنس آخر، وكأن داني الشاب المعوق يحتاج أن ينتظر في صف آخر غير طابور الناخبين، وأن ينتظر كي يخرج شخص معوق من الداخل كي يسمح له بالدخول. "أو كأن عدد الأشخاص المعوقين محدد بأربعة ولا يسمح بالمزيد! في أي قانون قيل هذا؟". لا جواب. ينتظر داني بصبر في حر الظهيرة لمدة عشرين دقيقة في انتظار خروج شخص معوق من الداخل كي يستطيع أن يجد له مكاناً ليقترع.
لا يخرج أحد. في الخارج، قرب داني تنتظر سيدة خمسينية، هي زوجة أحد هؤلاء الأربعة المنتظرين، لم يسمح لها كذلك بالدخول لمساعدة زوجها، تقف بصبر في زيها الشرعي الأسود في ظهيرة آب. بعد ثلث ساعة يطلب داني من جديد من الشرطي أن يسمح له بالدخول إلى الباحة كي يموضع كرسيه المتحرك في الظل هربا من الحر، يقول: "شو بيأثر عليكم إذا وقفت بالفي بعيد عن الشمس؟. يجيب الشرطي: "بيأثر مين قال انه ما بيأثر!".
يأتي أحد المتطوعين في الجمعية الوطنية لمراقبة ديمقراطية الانتخابات "لادي"، وهو "لحسن الحظ من حملة التصاريح". يطلب منه داني أن يدخله معه ليقترع، وهكذا يتخطى الشاب المعوق الحاجز الأول.
يقع قلم الاقتراع على الطابق الثاني"، ولا يوجد مصعد. كان داني مخيراً بين أن ينتقل إلى كرسي بلاستيكي تاركاً كرسيه المتحرك كي يخف حمله على الشابين المتطوعين ستين درجة، مستسلما إلى الألم الذي سيصيبه طوال فترة الصعود والنزول، وبين أن يبقى على الكرسي. فاختار البقاء. حمله الشابان درجاً بعد آخر، حتى وصلا به منهكين إلى قلم الاقتراع. هناك لم تسمح له الطاولة الموجودة خلف الستار الهش، لما يسمى بالغرفة العازلة، بدخول الكرسي تحتها، ولم يستطع كذلك أن يصل بيده إلى الصندوق ليدخل الورقة التي تحتوي على اسم المرشح الذي اختار. وهكذا تخطى الحاجز الثاني.. بصعوبة.
في قلم الإقتراع لم يجد الشاب وعياً لدى "الجميع" بحاجات الأشخاص المعوقين، فله، كونه من ذوي الإعاقات الحركية لم توجد التجهيزات الهندسية الملائمة لحاجاته، الحافظة لحقه وكرامته، أما بالنسبة إلى الإعاقات الأخرى فالأمر قد يكون أكثر صعوبة. لا توجد في القلم لوائح كتبت بخط مكبر للذين لديهم صعوبات بصرية، ولا توجد لوائح بطريقة برايل الحرف النافر للمكفوفين، ولا توجد رسوم بيانية بلغة الإشارة الخاصة بالصم، ولا يمكن للأشخاص من ذوي الإعاقات الذهنية الاقتراع بدون مساعدة مباشرة. يقول: "لا يهم لمن تعطي صوتك، وما هو توجهك السياسي، ينبغي احترام قدراتك التي أقرتها شرعة حقوق الإنسان، بدون تهميش أو تمييز جسدي".
بدأت رحلة العودة، انتظر المتطوعين كي يستطيعوا من جديد أن يحملوه على الدرج، ثم إلى السيارة... وهكذا اقترع داني أبو غيدا.
بقلم: عماد الدين رائف، إيلاف ، 1 يونيو 2007

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق