03‏/06‏/2009

حكاية مرسوم للأشخاص المعوقين.. طال انتظاره

صحيفة السفير - 20 أيار 2009 - عماد الدين رائف
لسنوات طويلة طويلة حمل الأشخاص المعوقون قضيتهم على أكتافهم المثقلة بتهميش تاريخي وتقدموا. طووا المراحل واحدة تلو أخرى. كسروا النظرة النمطية تجاه حاجاتهم وقدراتهم، من أول اجتماع بين د. رامز حجار، باسم حمدان، حسن البساط، وذو الفقار عبد الله في سعيهم نحو تأسيس حركة نقابية تدافع عن كامل مطالب الاشخاص المعوقين في السبعينيات، إلى التحركات العلنية «المستهجنة» التي جمعت أشخاصاً معوقين على كورنيش المنارة ربيع العام 1979، إلى حملات التواقيع المناهضة للحرب الداعية لإحلال السلام، إلى مسيرات السلام نحو المعابر وخطوط التماس التي حملت زنبقة بيضاء ليزين المتقاتلون بها فوهات بنادقهم، إلى مسيرة السلام الكبرى من حلبا إلى الناقورة في العام 1987 مع باقي الجمعيات اللاعنفية والمتطوعين، إلى مرحلة الدولة التي انتظروها آملين... إلى آلاف اللقاءات والاعتصامات وورش العمل والمخيمات الحقوقية والنقابية، لوضع المسوّدة الأولى لحقوقهم مستفيدين من كل خبرات المجتمع المدني ومن جهود آلاف المتطوعين، إلى اعتصامات صدور القانون الذي أخذ رقمه الصعب 220/2000. هناك، في تلك اللحظة بالذات، وقبل تسعة أعوام ونيف، ارتفعت قبعات المناضلين في سماء لبنان، بكت العيون الساهرة فرحة اللحظة، تركوا عكاكيزهم وافترشوا الأرض ليتأملوا غيوماً تتحرك ببطء في فضاء أيار، أحسوا لمرة يتيمة أن الاستراحة القصيرة هي حق من حقوقهم. مرت سنوات أخرى، سنوات ثقيلة عرّفتهم عن كثب بالجدار البارد السميك الذي يفصل بينهم وبين أن يحرك المسؤول قلماً أو يحمل المتنفذ جزءاً من مطلب. عرّفتهم بأن عليهم أن يقولبوا مطالبهم بأشكال أخرى، أن يتخصصوا بكل ما يعنيهم، وما يعنيهم كثير. تفقدوا بعضهم بعضاً، بكوا رفاقاً مناضلين عاشوا فرحة صدور القانون ولم يروا تطبيقه، رحل منهم شهداء قضية، محمد علي حرب، إبراهيم حريبي، باسم حمدان، نور الدين طوقان، محمد غندورة... محمد حمية. منهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر، ولا تزال الراية مطلبية. حملوا عكاكيزهم، رفعوا أجسادهم فوقها، رفعوا رايتهم عالياً، وكان صوتهم أعلى. كان ميدانهم لبنان. غير طائفيين، غير مناطقيين، غيرحزبيين، لا فوق الطاولة ولا تحتها.. لغتهم الحق، مطالب وجدت مكانها الطبيعي في برامج وحملات، «برنامج الدمج الاقتصادي»، «برنامج الدمج الاجتماعي»، «حملة لا للحرب - الحملة المدنية لتعزيز السلم الأهلي والمواطنة»، «حملة عمّر للكل - الحملة الوطنية نحو بيئة دامجة»، و«حملة حقي - الحملة الوطنية لإقرار الحقوق السياسية للأشخاص المعوقين». مع الحقوق السياسية كانت انتخابات 2005 مرحلة أولى، أطلقت «حملة حقي»، والتي انخرط فيها المجتمع المدني، جملة من المطالب طالت كل المرشحين. عمّمت توعية كافية تجاه حقوق هذه الفئة التي تعدت نسبتها، وفق إحصاءات مدنية، عتبة العشرة بالمئة من اللبنانيين. كانت الانتخابات الفرعية في العام 2007 في بيروت والمتن مرحلة ثانية. أطلقت الحملة نتائج مسح مراكز الاقتراع في بيروت الانتخابية هندسياً بما يتلاءم وحاجات المقترع المعوق.. فأتت كارثية. وجاء أيار آخر، أيار 2008 حين وقف رئيس البلاد المنتخب ميشال سليمان ليضمن خطاب القسم «ينبغي تأمين حقوقهم»؛ هي لحظة تاريخية أخرى شقت طريقاً صعب المسالك، منحت المنتظرين أملاً كان قد تاه لسنوات في أدراج وزارات وإدارات. حمل أيار الآخر نسمة أمل أخرى، بارقة عملت عليها وزارة الداخلية والبلديات بشكل متواصل دؤوب، بلا كلل مدة اثني عشر شهراً، فكانت بشخص وزيرها زياد بارود، ومديرها العام العميد نقولا الهبر، وإداراتها وموظفيها، جندياً متفانياً في خدمة الحقوق المشروعة. تدفقت التعاميم الحاضنة للحقوق، صيغ مشروع المرسوم المنتظر، يقف بارود أمام الأشخاص المعوقين في إحدى ندواتهم، «اعتبروا الوزارة متطوعاً جديداً في حملة حقي». بالقول والفعل، ينتزع بارود مرسوم تسهيل عملية اقتراع الأشخاص المعوقين من مجلس وزراء ينتمي إلى نقيضين يتوجهان إلى الانتخابات النيابية المقبلة من دون أن يضمّنا برامجهما الانتخابية تلك الحقوق التي طال انتظار تطبيقها. الأشخاص المعوقون يعرفون، وكذلك الوزير بارود، أن تطبيق المرسوم المتعلق بالمادة 72 من القانون 25/2008، ربطاً بالقانون 220/2000 لن يأتي بسحر ساحر، وقد نلحظ تطوراً كبيراً في مشاركتهم في 7 حزيران، وتسهيلات وتدابير مؤقتة كثيرة تبادر إليها المحافظات والبلديات، لكن التطبيق الفعلي سواء في التجهيز الهندسي الملائم أو التوعية الشاملة تجاه حاجاتهم يحتاج إلى بذل جهود كبيرة لن يبخل بها المتطوع الكبير. أيار 2009، هو أيار آخر كذلك، يستحق استراحة وتأملاً ببارقة أمل جديدة. يستحق تقدير المناضلين الذين سيتاح لهم أن يكونوا في أقلام الاقتراع بكثافة، ليمارسوا حقاً كان مغيباً، ليعرفوا ملمس مظروف يحمل صوتهم للمرشح الذي يرونه مناسباً، تقديراً لمناضل قطع شوطاً كبيراً من الطريق معهم، بارقة أمل ستفتح طريقاً لشعاع أو حزمة أشعة تحول الكلمات إلى تطبيق عملي.. مباركة هي الجهود التي تحول الكلمات إلى واقع، وما زالت المطالب كثيرة.. ولا تزال الراية مطلبية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق