10‏/06‏/2009

الأشخاص ذوو الحاجات الخاصة في اليوم الانتخابي: درب المنحدر طويل

السفير - جهاد بزي - 8 حزيران 2009:
في ملعب مدرسة الحكمة في الاشرفية، يحتشد المقترعون على الدرج المؤدي إلى داخل مبنى المدرسة، حيث اقلام الاقتراع. عناصر الأمن يقننون ولوج الناس إلى جنة الاقلام. هكذا، يتحلقون حول الباب، في عادة لبنانية تاريخية تمنع عن اللبناني الوقوف في الصف. المقترعون ايضاً يقفون على منحدر خشبي مثبت في أقصى الدرج، بحيث لا يزعج أحداً. يقفون على المنحدر ولا أحد منهم يفكر في ماهية هذا المستطيل الخشبي المتقشف، والغاية من وجوده. رشا تقف بالقرب منهم، تربت على اكتافهم وتطلب منهم النزول عنه، لانه مخصص للاشخاص المسنين وذوي الحاجات الخاصة. حين تخبرهم، يتطلعون نزولاً ويكتشفون أنه موجود. يترجلون عنه بسرعة كأنهم يعتذرون. غير أن رشا وحدها في الداخل، بينما أعضاء حملة «حقي» ممنوعون من الدخول من دون ترخيص. تعريف الحملة يدل اليها: الحملة الوطنية نحو اقرار الحقوق السياسية للأشخاص المعوقين في لبنان وتتألف من اتحاد المقعدين اللبنانيين وجمعية الشبيبة للمكفوفين والمجتمع المدني. هكذا، حين تنشغل رشا، يعود آخرون يجهلون ماهية المنحدر وغايته من احتلاله. من بين العشرات، توجهت سيدة كانت رشا انزلتها عن المنحدر لتسألها عن مقر الجمعية. ليس من أجلها، بل من اجل الشاب الذي لفتت نظره الحملة دون كل الموجودين، أصم. التهت المتطوعة عن المنحدر، وركزت على الشاب تتواصل معه. تطوع اقرباؤه للإجابة عنه، لكنها لم تعرهم انتباهاً. من هنا تبدأ الرسالة التي يجيدها بعفوية من يعرف ما يفعله. بالتواصل المباشر مع الشخص ذي الحاجة الخاصة. بدا متحمّساً بشدة. تبادل مع رشا ارقام الهاتف، وقالت له إنها ستتواصل معه بالرسائل النصية القصيرة SMS رشا كانت متحمسة بدورها. «الحكمة» واحد من 17 مركز اقتراع في مختلف المناطق اللبنانية جهزتها الحملة بتجهيزات مؤقتة كي تتلاءم مع متطلبات دمج الاشخاص ذوي الحاجات الخاصة في المجتمع، والعملية السياسية جزء لا يتجزأ من حق الدمج هذا. هذه المراكز هي النموذج المفقود في بلد ليس فيه ألا ستة مراكز مجهزة بالمعايير الدنيا المسهلة للدمج. في النتائج التي اعلنت الحملة عنها مؤخراً، جاء أن صفراً في المئة من مراكز الاقتراع في لبنان مجهزة بالحد الادنى من المعايير الدامجة. صفر في المئة، أي ان على لبنان ان يشعر بالحرج من ابنائه ذوي الحاجات الخاصة، وممن يعيشون على ارضه، بنسبة مئة في المئة. غير أن الحملة تعتبر نفسها عبرت طريقاً طويلة في المطالبة بحقوقها بعد صدور مرسوم متعلق بقانون الانتخاب يفترض أن يجعل الانتخابات البلدية والنيابية المقبلة شبه مثالية للأشخاص ذوي الحاجات الخاصة، وتطبيق مرسوم التطبيق سيكون موضوع الحملة المقبل، وهي حملة اقل ما يقال فيها انها عنيدة. أمس، نشرت الحملة اعضاء اتحاد المقعدين اللبنانيين والمتطوعين فيها في كل الاراضي اللبنانية، وجهزت مراكز في مختلف المحافظات. جهد هؤلاء ينصب في مسارب كثيرة. يدلون ذوي الحاجات الخاصة إلى حقوقهم، ويستفتون المقترعين حول معرفتهم بالقوانين المتعلقة بالمعوقين، ويسألونهم ما اذا كانوا يقترعون لمرشح من ذوي الحاجات الخاصة. وهذا سؤال تقول هناء المتطوعة في الحملة إن الاجابة عليه كانت تبدأ بابتسامة، غير أن الاجابات كلها كانت لا ترى مانعاً. وجود الشابات والشبان من ذوي القمصان البيضاء هؤلاء في مراكز الاقتراع، وبعضهم على كراسي مدولبة وآخر يستخدم العكازات، فرصة للمقترعين للتعرف إلى هذه القضية، وإن كان البال اللبناني العام في مكان ابعد ما يمكن عن قضية حقوقية مدنية كهذه. مديرة البرامج في اتحاد المقعدين سيلفانا اللقيس ترى أن الفارق بين هذه الانتخابات وتلك السابقة كبير، على الاقل بالنسبة إلى الاعلام الذي بدا مراسلوه أكثر اهتماماً هذه المرة، اضافة إلى رؤساء الاقلام وعناصر قوى الامن أيضاً. لكن المراكز على حالها بالطبع. في مركز مدرسة عمر الزعني الرسمية في طريق الجديدة المخصص للنساء، تقف إمرأة من حجاب المدرسة على باب المصعد. تمنع استخدامه إلا للمسنين والمسنات و«المقعدين»، تقول. هكذا، حين تأتي إحدى مندوبات تيار المستقبل تدفع كرسياً مدولباً تجلس فيه إمرأة مسنة، تسمح لهما، ولقريبتين معهما باستخدام المصعد. في الطابق الثاني الازدحام هستيري. لكن المنتظرات، الغاضبات بشدة من هذه الوقت الطويل للانتظار، سمحن للسيدة بتخطيهن إلى غرفة قلم الاقتراع، كذلك فعل العنصر على باب القلم، وكان سمح لإمرأة من ذوي الحاجات الخاصة بالجلوس داخل القلم. مساعد رئيس القلم كان متعاوناً بما يكفي في التفاصيل. انتظر دخولها العازل، وسمح للمندوبة بمساعدتها في وضع الورقة في الظرف، ثم حمل اليها الصندوق وانتظر ريثما ترفع المندوبة يد المسنة لتضع الورقة. هذه تفاصيل تحسب للمراقب. في مكان آخر، تخبر عنه إحدى متطوعات حملة «حقي»، استغرب الدركي أن شاباً على كرسي مدولب وصل إلى المركز يريد الاقتراع. الشاب نفسه تعرض لما يجب ألا يتعرض له: قال له رئيس القلم: لا داع لدخولك العازل. أجابه بأن القانون يقول بدخوله إلى العازل. «ولله؟ بتعرف القانون!»، استغرب رئيس القلم المجهول. وما دام رئيس قلم كذلك، فدرب الحملة العنيدة، طويل طويل.. أمس، كان درجة على سلم، وكان أيضاً مسافة على منحدر، يجهل الناس ماهيته حين يلتقون به.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق